أجساد
تمتاز ريشة الفنان رائد عيسى بحرية وجرأة الحركة، والمرونة في استخدام اللون، والذي لا يشكل لديه بحثا في ذاته، فهو يرتبط بوثوق مع الفاتح والغامق والخط في تصوير فيض من المشاعر برقة كبيرة، ولا يتردد في الجمع ما بين اللون الأسود في خطوط قوية مع الألوان، فيما يزيد من تألقها،كما مارسه ماتيس وغيرة من الفنانين الأوربيين، وفيما يذكر بصراحة الرسم في الرقش والتصوير العربي الإسلامي التقليديين.
في معرضه هذا، لا يشكل الرسم لديه هدفا في ذاته، فهو يتناول مواضيع أعماله بسهولة وتبسيط مقصود، يجمع فيه ما بين الواقعية والمبالغة بين أجزاء الشكل الإنساني للوصول إلى قوة التعبير. فالفنان تشغله معاناة شعبه السياسية والاجتماعية، وهموم الحياة اليومية. لا يتقيد الفنان في رسمه الواقعي التعبيري، بأسلوب جاهز، لكنه يبحث ما بين الاتجاهات التاريخية والمعاصرة في الفن ليحدد أسلوبه الشخصي في التعبير عما يقلقه عما يشغل مواطنيه.
يكرس الفنان رائد أعمال معرضه الراهن لمعاناة الناس أهوال الحرب الأخيرة على غزة والتي كانت تتويجا لاجتياحات واعتداءات إسرائيلية متكررة على مدى يقارب من عقد من السنين. وهو في أعماله العديدة التي يضمها معرضه الحالي، السريعة الأداء، لا يبدو فيها كمصور صحفي يرصد مشاهد وتفاصيل العدوان القاسي، بل يسجل بلغة فنية بليغة وبلونية شحيحة مقصودة، شريطا لا ينمحي لذكرياته ومشاهداته في أيام الحرب وما خلفته من الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال، الذين هشمت أو بترت كثيرا من أعضائهم، وتركت عليهم آثارا نفسية عميقة.
جسد الفنان كل ذالك بعمق وبلاغة في عشرات الأعمال الصغيرة، التي يضمها المعرض، كما لو كانت مذكرات رسمت بسرعة في الأيام العصيبة التي مر بها سكان قطاع غزة، من حوالي عامين، ورغم أنها رسمت كنوع من تداعيات تذكارية لأحداث مر عليها ما يقرب من عامين تبدو شخوصها، كما لو أنها تخرج الآن من بين أنقاض الدمار ومن تحت قصف الأسلحة الثقيلة والفتاكة، محملة بالسخام والغبار والفزع.
إن تركيزنا على الجانب العاطفي والدرامي في أعمال رائد لا يقلل من القيم الجمالية العالية التي حققها في أعماله المعروضة والتي يتوحد فيها بوثوق الشكل والمضمون وبلاغة التعبير.
د. شفيق رضوان
15 نوفمبر 2010